فيلم “التطهير الأبدي”.. موجات لجوء أميركية إلى كندا والمكسيك

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 9 دقيقة للقراءة

رغم الجمال والمتعة اللذين تقدمهما السينما، فإن ما تعنيه الحكاية داخل الفيلم قد يكون صادما في صراحته، أو مغرقا في التشاؤم بشأن التوقعات المستقبلية، أو في تفسيره لأحداث حقيقية تحولت إلى ماضٍ دون أن يكتشف الجمهور حقيقتها، ومن بين الحقائق الاجتماعية التي يصادفها الشخص العادي في حياته اليومية، تلك الانحيازات القائمة على اللون أو العرق، ولسوء الحظ قد تتطور لتصبح اتجاها، فتنتج عنها جرائم عنصرية، وقد تتبناها نظم بعينها، وترتكب بموجبها جرائم تطهير عرقي للآلاف من البشر لسبب وحيد فقط، هو الاختلاف.

تلتقط السينما تلك الحقائق الاجتماعية وتعيد صياغتها في صورة قصة، وتقدمها في “سيناريو” فيلم قد ينتمي لسينما الرعب أو الكوميديا أو سينما الإثارة البوليسية، لكنها في كل الأحوال تحرص على إظهار بشاعة الكراهية والتعالي والجرائم التي تنتج عنهما.

وقد ولدت سلسلة أفلام “التطهير” (The Purge) من قلب الكراهية التي أظهرتها أرقام الجرائم وبشاعتها في الولايات المتحدة الأميركية، وإذا كان الفيلم الأول من السلسلة قد أطلق في 2013، فإن ذلك العام وحده قد شهد سقوط 3563 ضحية لجرائم الكراهية ذات الدوافع العنصرية، طبقا لتقرير للمباحث الفدرالية الأميريكية.

وكانت 66.5% من هذه الجرائم ضد الأميركيين من أصل أفريقي، بينما جاءت 21.2% ضد البيض، بينما كانت 4.6% مناهضة للمواطنين ذوي الأصول الآسيوية.

وفي الوقت الذي يعرض فيه الفيلم الخامس من السلسلة تحت اسم “التطهير للأبد” (The Forever Purge) على شاشة نتفليكس حاليا، كانت الكراهية تظهر وجها آخر ضد الحرية وضد الحقيقة، إذ أقر نيكولاس ويلكر، المعروف -أيضا- باسم “ملك الغضب”، أمام المحكمة الفدرالية في بروكلين، بأنه مذنب في التآمر لتوجيه تهديدات بالقتل ضد صحفي مقيم في بروكلين لحمله على التوقف عن الكتابة حول التطرف والمتطرفين البيض، وهي القضية التي نشرها مكتب المدعي العام الأميركي لغرب نيويورك في نهاية سبتمبر/أيلول الماضي.

التطهير

ينطوي لفظ التطهير على نوع من التعالي يكفي وحده للتعبير عن رؤية الغرباء أنهم تلوث في المجتمعات التي تحوي أغلبية عرقية أو لونية، مقابل أقلية من لون أو عرق مختلف، لكن التعبير عن الأمر في فيلم “التطهير للأبد” جاء بشكل معقد، إذ تتداخل علاقات العمل وعلاقات الزواج بين الأميركيين البيض وبين المهاجرين المكسيكيين من جهة أخرى، لذا يبدو التعبير عن المشاعر السلبية بين أبطال العمل بشكل خاص، فيه كثير من محاولات الكتمان والتخفي المخفقة.

تدور قصة “التطهير للأبد” للمخرج المكسيكي إيفير رادو غوت حول أديلا (تلعب دورها آنا دي لا ريجويرا) وزوجها خوان (يلعب دوره تينوش هويرتا)، اللذين يهاجران إلى تكساس، حيث يعمل خوان مساعدا في مزرعة عائلة تاكر الثرية، ويثير إعجاب عميد الأسرة (يجسد شخصيته ويل باتون) بمهارته في ترويض الخيل، لكن ذلك يغذي غضب “ديلان” (يجسد شخصيته جوش لوكاس) الابن المغرور للأسرة.

في صباح اليوم التالي ليوم التطهير، تهاجم عصابة ملثمة من القتلة عائلة “تاكر” بما في ذلك زوجة “ديلان” الحامل في أيامها الأخيرة كاسيدي (تجسد شخصيتها كاسيدي فريمان)، وشقيقته “هاربر (يجسد شخصيتها ليفين رامبين)، مما يجبر العائلتين على الاتحاد معا، ومحاولة الهروب إلى المكسيك، بينما تغرق الولايات المتحدة في حالة من الفوضى والتفكك.

تنص أسطورة “يوم التطهير” التي أسسها المؤلف والمخرج جيمس دي موناكو على السماح لمدة 12 ساعة كل عام بكل أنواع العنف والقتل، دون خدمات حفظ الأمن أو الحماية أو الطب أو غيرها مما يمثل الدولة، على أن تقضي الأغلبية البيضاء على الأقليات الملونة القادمة من أفريقيا والشرق الأوسط والمكسيك، دون أي عواقب قانونية.

وتنتقل السلسلة بين مستقبل مظلم في أول أجزائها، إلى واقع مظلم مع أمل في الوعي الإنساني ونضوجه في الجزء الخامس، الذي تدور أحداثه في تكساس، وهي الولاية الأميركية الأقرب للمكسيك، والأكثر انحيازا ضد كل ما هو غير أميركي.

دماء وأقنعة وثقافة

يستعد الجميع ليوم التطهير بالوجود داخل أقبية وأماكن محصنة لقضاء 12 ساعة داخلها، ويتم اصطياد من يدفعهم سوء الحظ للبقاء في الشوارع ، وذلك من عصابات من المتطرفين البيض، واللصوص كذلك، وتظهر جثث القتلى في الشوارع ملقاة كما لو كانت لحيوانات ضالة قتلتها سيارات مسرعة، لكن تلك العصابات التي ترتدي أقنعة يفترض أنها مرعبة، تصبح أقرب إلى أقنعة “كارتونية” مضحكة لا تتسق وأجواء الحصار والتوتر والدماء التي أغرقت الفيلم.

تقرر عصابات اللصوص والقتلة أن يمتد التطهير إلى الأبد، وتعلن الحرب على كل أجنبي في البلاد، وتهاجم الجيش، وتتحول البلاد إلى جحيم، فتعلن كلٌّ من كندا والمكسيك عن فتح الحدود لاستقبال اللاجئين من الولايات المتحدة، وتصطدم العصابات بأسرة “تاكر” وتقتل الأب، بينما تظهر معاناة الابن المغرور الذي ينتمي في أعماقه إلى أولئك العنصريين، ويرغب بالفعل في التخلص من المختلفين عنه.

forevr purge المصدر: IMDB

ينطلق السرد من خلف الحدود هناك في المكسيك، وينتهي فيها أيضا، وفي البداية يقدم المخرج قصة تسرب المكسيكيين رغم وجود فاصل، ثم يحرص على إظهار تفوق ذلك المهاجر المكسيكي على الثري صاحب المزرعة في ترويض الخيول.

لم يحاول جيمس دي موناكو أن يمنح شخوصه أبعادا إنسانية تجعل منهم أقرب للبشر، ورغم وجود مساحات للتعبير عن مشاعر الحب والكراهية والخوف، فإن السرد الإجمالي جاء مشابها لحالة التقارير الإخبارية، خاصة في ظل انطباق توقعات المشاهد على القادم من أحداث في العمل، حتى لو لم يُمهّد له.

ولعل ذلك يعود بالأساس إلى عدد من “الكلشيهات” (الصور الذهنية الجاهزة) السياسية والاجتماعية التي تضمنها سيناريو العمل، بالطريقة نفسها احتوى العمل على كليشيهات إخراجية واستعارات فيلمية غير متجانسة، جعلت من الحركة -“الأكشن”- في الفيلم عشوائية وغير ممتعة، وأحيانا غير منطقية.

استطاع الممثل الأميركي جوش لوكاس، الذي جسد دور ديلان تاكر أن يعبر عن ذلك الصراع الداخلي بين الرغبة المنحطة في قتل المكسيكيين وإنقاذ أسرته بالاتحاد معهم. وعبر “كاميرا” المخرج إيفررادو غوت يتابع المشاهد تلك الحالات والتحولات من لوكاس، وتبدو خلالهما ملامحه كأنها مرآة تعكس ذلك الصراع.

ولعل تلك الرؤية التسويغية التي طرحها دي موناكو حول “التطهير”، تلقي بالفيلم إجمالا في الجانب المتطرف الرافض للأجنبي ولكل مختلف، وقد أوردها على لسان لوكاس مؤكدا أنه لا يرغب في قتل الآخرين، ولكنه “لا يفهم ثقافتهم وهم بالتأكيد لا يفهمون ثقافته، ومن ثم فإن على كل طرف أن يلتزم حدوده”.

يقدم صناع العمل “السكان الأصليين” للجنوب الأميركي والشمال المكسيكي كونهم حلا للأزمة، إذ يغيثون الأسرتين ويهربون أفرادهما بخبرتهم العميقة في المناطق الجبلية، وطبقا لقول زعيمهم “تلك المناطق التي لا يستطيع سور ترامب أن يقترب منها”.

الإسقاط السياسي والصدق

قد لا يكون فيلم “التطهير الأبدي” تحفة فنية، لكنه بالتأكيد حمل مفاهيم هي الأكثر صدقا من بين العديد من الأفلام الأميركية، التي لا تترد في رصد التناقضات في سلوك الحاكم والمحكوم.

فنحن أمام محاكمة للضمير الأميركي الذي يتعرى تماما بكل تنويعاته وتناقضاته، وفي الوقت الذي يمارس المتطرفون وعصابات اللصوص العنف والقتل، يتنبأ العمل بقوى عنيفة مضادة -كذلك- تتكون من مهاجرين، ويظهر أولئك الذين يجدون أن الفارق الوحيد هو أن هجرة آبائهم كانت سابقة على هجرة هؤلاء ويقبلون بهم، ويقدم الفيلم النبوءة الكابوسية بانهيار البلاد تحت ثقل الكراهية والتطهير العرقي.

forevr purge المصدر: IMDB

في سياق الإسقاطات العديدة يشير الفيلم إلى سور ترامب، ودور الأحزاب السياسية في إشعال هذه الحرب المدمرة. ويقدم جيمس دي موناكو مبدع وكاتب السلسلة ومخرجها السابق حلما نهائيا، يتمثل في الوصول للنضج والوعي بالطريقة الصعبة عبر الدماء والجثث، لتأكيد أن مصير البشرية يتعلق بالأساس بنبذ الكراهية، والتخلص من التعالي والشعور بالأفضلية.

رغم فقر “الأكشن” وعشوائية الحركة داخل “الكادر” السينمائي في الفيلم، فإن المؤلف جيمس دي موناكو استطاع أن يقدم أفضل أجزاء السلسلة وأكثرها تشاؤما، حول ما يتعلق بواقع البشرية المفعم بالعداء والكراهية، ولكنه يلقي بخيط صغير من الأمل يسمى “الوحدة” من أجل المستقبل.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *