عمارة الأرض.. “القيم الإسلامية وتأثيرها على الأمن الاجتماعي”

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 10 دقيقة للقراءة

يتناول كتاب “القيم الإسلامية وتأثيرها على الأمن الاجتماعي” للباحثة دعاء صلاح، الدور الريادي للقيم الإسلامية في “تحقيق الأمن الاجتماعي” الذي هو الأساس للأمن بمفهومه الشامل، وهو أيضا اللبنة الأولى في تقدّم ورقي وتنمية وريادة المجتمعات. ذلك أن الأمن مُنطلق عمارة الأرض، والعنوان الأبرز لحضارة الأمم، والنتيجة العملية لقيام العدل، ووضعه “إبراهام ماسلو” في الدرجة الثانية لسُلم الاحتياجات الإنسانية بعد الحاجات الوجودية كالطعام والشراب والهواء. محاولا تقديم “نظرية معاصرة لتحقيق الأمن الاجتماعي استنادا للقيم الإسلامية”.

ويبحث الكتاب في فصله الأول الإطار النظري والمصطلحات، متناولا المبررات الموضوعية لمادة “البحث”، حيث إن الأمن حجر الأساس للدول، وإكسير الحياة للمجتمعات، وعامل الاستقرار الرئيسي والممر الإجباري للتنمية الشاملة والمستدامة. ويتناول الكاتب موضوع “الأمن الاجتماعي من منظور قيمي” وهي زاوية لم تحظ بالاهتمام الكافي في الأبحاث والدراسات، الأمر الذي يزيد من أهمية الموضوع، خصوصا مع حالة انعدام الأمن التي تجتاح المنطقة العربية والإسلامية. ليحلل في الفصل الثاني من الكتاب موضوع القيم وتأثيرها العميق على المجتمعات.

ويتناول الكاتب في الفصل الثالث مكانة الأمن الاجتماعي وتأثيره على المجتمع، علاقته بالقيم “مركزيا”، ويبحث الكتاب مفهوم الأمن بصورة معمقة فهو العنوان الأبرز لحضارة الأمم ويسلط الضوء على حساسية المفهوم والتعقيدات والتباينات التي يحملها والفجوة بين الواقع والشعور فيما يتعلق بموضوع الأمن وتداخله مع الموضوعات الاجتماعية الأخرى وأنواعه، حيث إن مفهوم الأمن يشمل أنواعا كثيرة منها القومي والسياسي والغذائي والاقتصادي والفكري والنفسي، فيُبرز مكانة الأمن بشكل عام ومخاطر فقدانه، مسلطا الضوء على الأمن الاجتماعي بشكل خاص “وعلى القيم كونها الجهاز المناعي لأمن المجتمع وهي مركز ثقل الدولة والملاذ الأخير للأفراد والأسر عند ضعف الدولة والعودة لشريعة الغاب”.

قيم المجتمع

فإذا كان الأمن الاجتماعي يشكل “مركز الثقل” فإن القيم تعد “نقطة الارتكاز” التي يستند إليها المجتمع ويعتمد عليها الأمن لتوفير الطمأنينة، فالمنظومة القيمية تعمل عمل المادة الإسمنتية في حفظ بناء المجتمعات وتضمن تماسكه واستقراره واستمراره.

يصل الباحث في الفصل الرابع من الكتاب، ليتناول القيم الإسلامية وطبيعتها ومميزاتها وخصائصها وأثرها على الأمن الاجتماعي، ففي ظل ما تعانيه المجتمعات العربية والإسلامية من فقدان للأمن بشكل عام وللأمن الاجتماعي بشكل خاص، وفي وقت تواجه فيه المزيد من الحروب الناعمة منها والخشنة، وفي ظل القصف العشوائي الذي يتعرض له الإسلام من نيران معادية أو صديقة بدافع المكر أو الجهالة وتحت تأثير الغزو الفكري والتدمير الثقافي والأخلاقي.

أراد الكتاب تسليط الضوء على “قدرة القيم الإسلامية على تحقيق الأمن الاجتماعي” “والعدالة الاجتماعية”، “وبناء الإنسان الصالح”، وكيف أن الإسلام اعتبر “القيم” أساس الأمن -مطلق الأمن- دون أن يغفل بقية الجوانب. وكيف أنه راعى مفهوم الأمن رعاية خاصة وجعله مكافأة للمؤمنين نتيجة لإيمانهم وعملهم الصالح ومؤشرا على بلوغ الإسلام لغايته.

يبحث الكتاب “فعالية القيم الإسلامية باعتبارها خط الدفاع الأول” في مواجهة الأزمات والركيزة الأساسية لتحقيق الأمن الاجتماعي واستدامته، فهي وحدها تستطيع عبور القوميات والنظام الطبقي كونها شاملة ومطلقة وعملية، أي أنها ليست مجرد ترف فكري، ومنسجمة مع الفطرة وتراعي التفاوت بين البشر.

فمنظومة القيم الإسلامية هي قيم إنسانية بالدرجة الأولى وتمثلها في أي شخص يجعل منه إنسانا صالحا بالحد الأدنى، فهي تضبط إيقاع الدولة مع المجتمع والأفراد وتحقق التناغم بين السياسة والاقتصاد وتحفظ الحق العام دون المساس بالحق الخاص، وتحافظ على توازن القوى داخل الدولة وداخل المجتمع، وهي الممر اللازم لأي إصلاح سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي والمنطلق لأي تنمية والباعث الحقيقي لأي نهضة، فهي نظام متكامل من الأنساق، حيث تنسجم العبادات والروحانيات مع القوانين والأعراف، ويعمل الوعظ والإرشاد والنصح على تعزيز الفضيلة، ويتشارك في هذه العملية الفرد والأسرة مع المجتمع والدولة إضافة إلى المؤسسات والنخب، وهي وحدها قادرة على حفظ توازن القوى داخل الدولة وداخل المجتمع بما يضمن التنافس على قاعدة أربح ويربح الجميع، وقادرة على إرساء التعاون والتكامل لتحقيق المصالح العليا .

تحديات

وفي فصله الخامس، يبحث الكتاب في التحديات التي تواجه القيم الإسلامية في مجتمعاتنا، وسُبل مواجهتها، وخطورة ما حصل من احتلال وتقسيم للوطن العربي وبعض الدول الإسلامية، ومحاولات هيمنة حضارات خارجية، وطمس للهوية الثقافية للأمة عن طريق البعثات التعليمية والحملات الدعائية للقيم الغربية، وإثارة للفتن والتفرقة داخل المجتمعات لخدمة أجندات غربية عن طريق السيطرة الإعلامية وبناء إمبراطوريات إعلامية ضخمة تخدم هذه التوجهات، والتغلغل داخل هذه مجتمعاتنا عن طريق منظمات المجتمع المدني التي تحولت لحصان طروادة لاختراق الشعوب وإشعال الفتن والصراعات، واختراع صرعات فكرية تنطوي على مفاهيم وأفكار تتنافى والقيم الإسلامية بل حتى مع القيم الإنسانية، مثل موضوع المرأة والأسرة وغيرها كثير، وباستخدام بعض ما يسمى بالنخب أو المثقفين، واستطاعوا التسلل إلى كل بيت، وإلى كل فرد على حدة عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي.

إن سبب هذه الهجمات المستمرة عائد إلى معرفة الغرب العميقة بالمقومات التي تمتلكها الأمة الإسلامية، فالإسلام في جوهره دين قوة واجتماع وعمل ومجالدة في هذه الحياة، ويتميز بربطه وجدان أفراده وضمائرهم بالعروة الوثقى التي لا تنفصم ولا تنحل عن عروة الإيمان وعلمهم بقوة النظرية الإسلامية وإمكانية تطبيقها بحكم الحصول في القرون الماضية.

هذه المخاطر وغيرها، وضعت “الأمة الإسلامية ومنطقتنا الحضارية” أمام تحديات كبيرة ولا بد من إيجاد مخرج يحفظ لهذه الأمة أمنها ويعيد إليها وحدتها وازدهارها.

لذلك أشار الكتاب إلى ضرورة إرساء خطة لإصلاح مجتمعاتنا الإسلامية والنهوض بها وإحياء حضاراتها عن طريقة تفعيل الباعث النفسي أو دافعية العمل لإحياء الأمة، فنحن أمة نمتلك أثبت دين، وأفضل موقع جغرافي، ونمتلك من الموارد ما يجعلنا في صدارة الأمم، ويجب علينا إعادة الأصالة إلى سلوكيات أفراد المجتمع.

فما نراه اليوم في مجتمعاتنا ليس إلا سلوكا هجينا، وخليطا من السلوكيات الغربية والشرقية والمحلية، وذلك لا يتم إلا عن طريق “العودة لقيمنا الإسلامية الأصيلة”، وإعادة بناء ثقافتنا المجتمعية الإسلامية. فضعف الإنتاج هنا هو ما دفعنا إلى الاستيراد من الثقافات الغربية وغيرها، لذلك وجب إعادة إحياء الهدف في الأمة وهو عمارة الأرض، ونفض الغبار عن هويتنا كمسلمين لاستعادة أمجادنا ومواجهة المشاريع الاستعمارية والتصدي للحروب العبثية والعدوانية على منطقتنا بأشكالها المختلفة.

“مخاطر النظريات المستوردة”

ويلخص الكتاب في فصله الأخير، بعض مخاطر النظريات النفعية والبراغماتية على مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وما سببته من حروب وصراعات والبؤس والدمار الذي خلفته، ويسلط الضوء في مساحة من المقارنة على مدى نجاح القيم الإسلامية في حل مشاكل المجتمعات وتحقيق أمنها ومدى قدرتها على الاستمرارية والديمومة، مقابل قصور “القيم” في المذاهب الوضعية في تحقيق الأمن الاجتماعي، وكيف أن كل طبقة اختارت نظرية تلبي حاجاتها أو طموحاتها بمعزل عن الآخر، فكل “نظرية وضعية” هي وليدة المشاكل التي عاصرتها، وفي الغالب فإن هذه النظريات تعتمد على العقل، ومن المعروف أن عقول البشر تتفاوت وزوايا نظرهم للأمور تختلف، وغالبا ما تكون متناقضة ومتباينة لأنها غير متفقة على جذر أخلاقي واحد.

وحاولت القوى العالمية فرض منظومتها القيمية مثل المنظومة الاشتراكية والرأسمالية على الآخر، لعلمها بأن قوة النظرية في شموليتها، ففشلت، لكن النظرية القيمية الإسلامية بشموليتها وعالميتها هي التي تم تجربتها سابقا، ونجحت، وعندما تخلت المنطقة العربية والإسلامية عن هذه المنظومة القيمية واستبدلتها “بنظريات وضعية” تضررت بشكل جذري في أمنها المجتمعي.

ويبين الكتاب من خلال تناوله لأهم “المنظومات القيمية غير الإسلامية” أنه لا وجود لمنظومة قيمية متناسقة ومتكاملة وقادرة على هضم التباينات العرقية واستيعاب الفوارق الطبقية والفجوات الثقافية والحضارية كما تفعل منظومة القيم الإسلامية، بل لا وجود لمنظومة قيمية تضاهي القيم الإسلامية في قوة الإلزام ومنطقية المطالب وواقعية التكليف والانسجام مع فطرة الإنسان، فهي تترسخ في أعماق المسلم وتحكم تصرفاته في السر والعلن وتُشعر الفرد بالمسؤولية الطوعية وتكون جهاز رقابي ذاتي يلزم الفرد فعل الصواب وتجنب الخطأ، منظومة قيمية يتساوى فيها الغني مع الفقير والقوي مع الضعيف والحاكم مع المحكوم، ويعطي فيها القادر للمحتاج دون منّ أو أذى. قيم تحفظ الحياة والنسل والمال والعقل وتصون الكرامة والحقوق.

ولم تستطع أي منظومة قيمية أخرى أن تجمع بين التعاليم الدينية والعرف الاجتماعي والقوانين السياسية والأخلاق الفردية كما تفعل منظومة القيم الإسلامية. فمن الناحية السسيولوجية ما يهم في “النظرية” ليس المتانة أو الفصاحة والبلاغة، إنما ما يهم هو إمكانية التطبيق والتجسيد في الواقع العملي.

لقد أظهر الكتاب أن الأمة لم تفرط بمقدراتها الاقتصادية وعقول أبنائها وبتاريخها الحضاري وموقعها الريادي إلا بعد ما فرّطت بقيمها التي هي أهم الكنوز التي ورثناها من ديننا ومن تراثنا الفكري، وأن إعادة منظومة القيم الإسلامية للحياة هو السبيل الوحيد “للإقلاع الحضاري” وهو “الضامن لوحدة الأمة” و”الأداة الأقوى لتبريد خلافاتها وتضميد جراحها ولملمة شتاتها”.

لذلك سعى الكتاب إلى “بلورة خطوط عريضة لنظرية إسلامية” يمكن أن تُطبق في مجتمعاتنا وتسهم في حل مشاكله، وضبط واقع الأمن فيه، وعرض التحديات التي تواجه “القيم الإسلامية وسبل مواجهتها” حيث إن هذه “القيم الرفيعة” تعرضت لكثير من الحروب، وهجمات الغزو الثقافي والعسكري لجعل الإنسان المسلم يعيش حالة من “الاغتراب والعزلة الفكرية” عن المجتمع الذي يعيش فيه والأصل الذي ينتمي له. لعل ذلك يكون بارقة أمل تُسهم في عودة الأمة لقيمها لتستأنف دورها الحضاري الوحدوي الرائد.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *